ذات يوم كانت إمبابة تعرف بـ بوابة مصر الصغرى موقعها الجغرافي في قلب الدولة المصرية جعلها نقطة ارتكاز في كل شيء في السياسة والاقتصاد والثقافة وحتى في صفحات التاريخ العسكري فمن ينسى معركة إمبابة الشهيرة في مواجهة الحملة الفرنسية سنة 1798 ومن يجهل أنها كانت طاحونة الغلال ومخزن القوت منذ ثلاثينيات القرن الماضي وتحديدآ منذ عام 1935.
إمبابة في الذاكرة الوطنية
إمبابة ليست مجرد حي شعبي أو اسم على الخريطة بل هي رقعة مشبعة برائحة الماضي العريق في الزمن الذي كانت فيه القاهرة تحكم قبضتها على روح مصر كانت إمبابة تشاركها الدور كانت منبرآ للفكر وموئلآ للعلم ومركزآ للحراك السياسي والاجتماعي يشهد لها القاصي والداني
لقد لعبت إمبابة دورآ محوريآ في مد القاهرة الكبرى بالمؤثرات الثقافية والاجتماعية وكانت تضم مدارس ومساجد وبيوت علم خرجت أجيالآ من المفكرين والأدباء وكانت ملتقى للفلاحين والصناع والتجار ومحطة توزيع رئيسية لغلال الدلتا والصعيد على حد سواء
من المجد إلى الظل
لكن أين إمبابة اليوم من كل هذا؟
أين هي من ذلك المجد السياسي والثقافي؟
هل اكتفت بأن تكون مجرد كتلة سكانية ضخمة وسط زحام العاصمة الكبرى أم أنها دفنت تحت ركام الإهمال والتهميش كما تدفن المدن التي تفقد البوصلة
لا نبالغ إن قلنا إن إمبابة اليوم فقدت الكثير من بريقها لم تعد تلك المنارة التي تلهم ولا المركز الذي يحتذى به طغت عليها العشوائية وافتقرت إلى المشروعات التنموية الجادة وغابت عنها الرؤية الاستراتيجية التي تعيد لها دورها كمكون أساسي في النسيج المصري
لماذا نكتب عن إمبابة الآن
نكتب لأن الذاكرة لا يجب أن تمحى
نكتب لأن الأحياء مثل إمبابة حين تنسى ينسى معها جزء من التاريخ المصري
نكتب لأننا نؤمن أن استعادة الدور لا يكون بالبكاء على الأطلال بل برؤية جديدة تعيد تشكيل المكان والهوية ويمنح أهالي إمبابة الفرصة للمساهمة الحقيقية في بناء الدولة
إمبابة ليست مشكلة عمرانية أو سكانية يجب حلها بل هي فرصة وطنية يجب استثمارها
هي مرآه لتاريخنا وجسر لمستقبلنا إن أحسنا الإصغاء لصوتها المكتوم منذ سنوات
إمبابة حضن مصر الكبير
ولم تكن إمبابة يومآ حكرآ على أهلها الأصليين فقط بل كانت وما زالت حضنآ كبيرآ لكل مصر من حلايب وشلاتين جنوبآ إلى سواحل البحر المتوسط شمالآ مرت بممرها الإنساني كل الألوان واللهجات والخلفيات
لا تكاد تجد عزبة أو نجعآ أو قرية أو مركزآ أو محافظة إلا ولها امتداد بشري في إمبابة
هنا سكن النوبي والبدوي والصعيدي والبحراوي والمهاجر من أقصى الريف بحثآ عن فرصة أو مأوى.
كلهم وجدوا في إمبابة الأمان والمأوى والعمل فعاشوا وتزاوجوا وتجاوروا حتى أصبحت إمبابة صورة مصغرة لمصر كلها بل لعلها أكثر حي يعكس التنوع الحقيقي للهوية المصرية
وأخيرآ
إمبابة تستحق أكثر
تستحق أن تنقب في جذورها ويعاد بعثها بروح جديدة
ففي قلبها لا تزال تنبض ذاكرة المجد تنتظر فقط من يعيد لها الحياة