خلال الأسبوع الماضي ، تصدّر “القبض على التيك توكرز” واجهة المشهد الإعلامي، واحتلت قصصهم مواقع التواصل الاجتماعي.
البعض رأى في هذه الحملات “ضبطًا للذوق العام”، وآخرون اعتبروها “تضييقًا على الحريات الشخصية”، بينما انشغل كثيرون بالسخرية من المشهد برمّته كما لو كان فصلًا من مسلسل درامي.
لكن وسط كل هذا الضجيج، ثمة سؤال جوهري لم يُطرح بعد:
من المسؤول الحقيقي عن ظهور هؤلاء المؤثرين؟ وهل ما نشهده الآن هو مجرد نتائج متأخرة لمنظومة تجاهلت أسباب المشكلة؟
الشهرة ليست جريمة..
لا يمكن قراءة ظاهرة التيك توكرز المثيرين للجدل بمعزل عن السياق الاجتماعي والثقافي الذي نشأوا فيه. نحن نتحدث عن بيئة فقيرة في فرص التعبير البنّاء، محدودة في دعم المواهب الحقيقية، وتعاني من غياب المحتوى البديل الذي يستطيع أن يجذب الشباب دون أن يسقط في فخ الإثارة السطحية أو الاستفزاز المجاني.
في ظل هذا الفراغ، يصبح من الطبيعي أن يتصدّر المشهد من يملأه، حتى وإن كان ذلك بمحتوى فارغ أو مخل.
ومن الطبيعي أيضًا أن يتحوّل هؤلاء إلى “نجوم الترند” في ظل غياب بدائل أخرى يمكن أن تُلهم .
الشهرة بدعم الجمهور.. ثم العقاب باسم الجمهور
اللافت في هذه الظاهرة أن من يتم القبض عليهم اليوم هم ذاتهم من صنعهم جمهور واسع عبر الإعجابات والمشاركات، وباركت صعودهم منصات رقمية استفادت تجاريًا من انتشارهم.
بعبارة أخرى:
المنظومة التي صمتت على الصعود، تُشارك اليوم في معاقبة السقوط.
السوشيال ميديا هنا ليست مجرد ناقل، بل لاعب أساسي في دوائر التأثير والمحاسبة.
بعد موجة القبض.. هل نتوقف عند العقاب فقط؟
من الطبيعي أن تُطبق القوانين حين يتم تجاوز الخطوط الحمراء، ولكن الأخطر هو الاكتفاء بالعقوبة دون مساءلة أوسع للبيئة التي أنتجت هذا النوع من النجومية.
السؤال الأهم:
أين كانت آليات التوجيه والتوعية؟
من يوفر بدائل حقيقية للشباب ليعبّروا عن أنفسهم دون الوقوع في فخ الابتذال؟
ولماذا نترك صناعة “القدوة” حكرًا على الخوارزميات والمشاهدات؟
خلاصة القول
“القبض على التيك توكرز” ليس انتصارًا للأخلاق أو خسارة لحرية التعبير، بل هو مرآة تعكس فشل المجتمع في التعامل الجاد مع منصات التواصل.
طالما لا يوجد مشروع ثقافي وإعلامي يواكب هذا الجيل بلغة يفهمها، وطالما تُترك الساحة للتريندات لتصنع الأبطال وتسقطهم، فإن القضية لن تنتهي عند حدود المحكمة، بل ستعود بشكل جديد.. وبضحايا جدد.