لم يعد المحتوى على الإنترنت مجرد مساحة للتجربة والإبداع، بل أصبح أيضًا ساحة خصبة لكائنات جديدة يمكن أن نطلق عليها اسم: صنّاع المحتوى الطفيليين.
فمن المعروف عن الطفيليات انها كائنات لا تنتج غذائها بنفسها بل تتغذى على غذاء كائنات غيرها.
صانع المحتوى من هذا النوع يتغذى على مجهود الآخرين .
المُلخِّص الطفيلي:
تخيل يا صديقي المتلقي أن الفيلم او المسلسل الذي استغرق سنوات من الكتابة والتصوير والإنتاج، يتحول عند “المُلخّص الطفيلي” إلى فيديو قصير . وبكل بساطة، يضع لك البداية والعقدة ثم يحرق النهاية، وكأنه يقدم خدمة عظيمة للإنسانية وهى إنقاذك من معاناة الجلوس ساعتين أمام شاشة، او عدة أيام في حالة المسلسلات.
في الحقيقة هو لا ينقذك من الملل، بل يدمّر صناعة بأكملها، لأنك لم تعد مضطرًا لمشاهدة الفيلم أصلًا.
وعلى الجانب الآخر، هناك “المُعلّق الطفيلي”: يفتح فيديو ليس من صنعه، يعرضه جزءًا جزءًا، بل ويضع نفسه في زاوية الشاشة حتى يسمح لك بمشاهدة الفيديو الأصلي ،ثم يوقف الفيديو لكي يضحك ويتهكم، ثم يطلب منك أن تضحك معه وتستكمل مشاهدة الفيديو الذي اوقفه هو بنفسه .
كل مجهوده هو أن يقف بينك وبين العمل الأصلي، كوسيط ساخر، بينما صانع الفيديو الحقيقي يختفي في الخلفية. الفكرة هنا ليست في النقد أو التحليل، بل في السخرية السطحية التي تحوّل أي محتوى إلى مادة للتنمر فقط.
الخطير أن هذا “النمط الطفيلي” أصبح أكثر انتشارًا من الأصل نفسه. الجمهور يشاهد المُلخص بدل الفيلم، ويتابع المعلّق بدل صاحب الفيديو. وهكذا تتحول صناعة المحتوى إلى حلقة إعادة تدوير متواصلة، نسخ باهتة تتكاثر بلا نهاية.
مع العلم أن هناك البعض من أصحاب المحتوى الردئ، قد زادت شهرتهم بسبب هؤلاء المعلقين .
في النهاية:
المشكلة ليست أن هناك من يلخص أو يعلّق، بل أن كثيرًا منهم يختبئون وراء هذه الأدوار كأنها إبداع بحد ذاته. الطفيلي لا يضيف قيمة حقيقية، بل يعيش على مجهود الآخرين ثم يُنصّب نفسه “مؤثرًا”. والكارثة أن الجمهور نفسه صار جزءًا من اللعبة، يصفق ويشجع، فيتحول الطفيلي من حالة فردية إلى منظومة كاملة تبتلع ما تبقى من صناعة المحتوى الأصلي.