أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا تناول فيه التحولات الجذرية التي يشهدها عالم ريادة الأعمال، في ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة، مدفوعًا بتطورات الذكاء الاصطناعي، والرقمنة، والابتكارات المتعددة. وأكد التحليل أن ريادة الأعمال الرقمية لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة تفرضها البيئة الاقتصادية العالمية، حيث أعادت هذه الطفرة التقنية تشكيل مفاهيم ريادة الأعمال التقليدية، لتصبح قائمة على الفهم العميق لأدوات التسويق الرقمي، وتحليل البيانات، والتوظيف الذكي للتقنيات الحديثة.
التحول من المفهوم التقليدي إلى الرقمي
أوضح المركز أن ريادة الأعمال، بمفهومها التقليدي، تُعرف بأنها عملية تهدف إلى تطوير نشاط اقتصادي يجمع بين المخاطرة والإبداع والإدارة السليمة. لكنها اليوم، وبفضل التقدم التكنولوجي، انتقلت إلى شكل رقمي أكثر مرونة، يُبنى على منصات الإنترنت، والخدمات السحابية، والتقنيات الذكية، لتظهر بذلك ريادة الأعمال الرقمية، التي تتيح تأسيس مشروعات وخدمات دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية المادية، كما في التجارة الإلكترونية، أو تقديم الدورات التدريبية عبر الإنترنت، أو إنشاء قنوات على يوتيوب.
درجات التحول الرقمي في الشركات
أشار التحليل إلى وجود ثلاث فئات من الشركات في استخدام الريادة الرقمية:
-
شركات تستخدم التقنيات الرقمية بشكل محدود كمكمل للأعمال التقليدية.
-
شركات تتبنى نموذجًا رقميًّا معتدلًا، تستثمر فيه بموارد كبيرة ضمن سلاسل القيمة.
-
شركات رقمية بالكامل، تعتمد على التكنولوجيا في جميع مراحل العمل من الإنتاج حتى التفاعل مع العملاء.
أبرز مزايا ريادة الأعمال الرقمية
استعرض التقرير عددًا من الإيجابيات التي تميز ريادة الأعمال الرقمية، أبرزها:
-
انخفاض تكاليف التشغيل مقارنة بالمشروعات التقليدية.
-
الاستهداف الدقيق للعملاء باستخدام أدوات التحليل والتسويق الرقمي.
-
المرونة العالية في الاستجابة لتغيرات السوق.
-
رفع الكفاءة التشغيلية بفضل استخدام البيانات والتحليلات.
-
إمكانية التوسع السريع عالميًّا عبر المنصات الرقمية.
-
دعم الابتكار المستمر بفضل التفاعل مع بيئات رقمية متعددة.
تصنيف الأسواق الرقمية عالميًّا
ووفقًا لمؤشر “ثقة الاستثمار العالمي” لعام 2024 الصادر عن مجلة CEOWORLD، جاءت الولايات المتحدة في صدارة الدول الأكثر جذبًا للاستثمارات الرقمية، تلتها الصين، اليابان، المملكة المتحدة، ألمانيا، بينما حلت الهند سادسًا. كما ضمت قائمة الدول العشر الأولى كلًّا من فرنسا، كوريا الجنوبية، كندا، والإمارات العربية المتحدة، مما يعكس اتساع التنافس الدولي في تعزيز بيئات الأعمال الرقمية.
أشكال ريادة الأعمال الرقمية عالميًّا
حدد التحليل أبرز صور ريادة الأعمال الرقمية، ومنها:
1. التجارة الإلكترونية
شهدت التجارة الإلكترونية نموًا هائلًا عالميًّا، حيث تصدرت آسيا السوق بحجم بلغ 3.7 تريليونات دولار في 2024، بقيادة الصين، تلتها الولايات المتحدة بحجم يزيد على تريليون دولار. وبرزت التجارة عبر البث المباشر كاتجاه رائج، خاصة في الصين وآسيا، بإيرادات بلغت 370 مليار دولار.
2. الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء
ساهمت هذه التقنيات في إحداث ثورة في الصناعات من خلال تحسين جمع البيانات، وزيادة كفاءة العمليات، ودعم اتخاذ القرار الذكي. وقدمت هذه التقنيات حلولًا متقدمة في قطاعات مثل الصناعة، الزراعة، والرعاية الصحية، مما وفر فرصًا واسعة للشركات الناشئة.
ريادة الأعمال الرقمية في إفريقيا
رصد التحليل نشاطًا متزايدًا في القارة الإفريقية، مدفوعًا بالتحول الرقمي وانتشار الإنترنت والهواتف الذكية، مما فتح المجال لإطلاق مشروعات ابتكارية في مجالات التعليم، الزراعة، الصحة، والخدمات المالية.
من أبرز هذه المشروعات:
-
“إيتوديسك” (كوت ديفوار): منصة للتعليم الإلكتروني للمؤسسات التعليمية.
-
“جومو وورلد”: خدمات مالية مبتكرة في دول إفريقية عديدة.
-
“يوكو” (جنوب إفريقيا): أدوات مالية لإدارة الشركات الصغيرة.
-
“دابادوك” (المغرب): لحجز المواعيد الطبية إلكترونيًّا.
-
“أبولو” (كينيا): تمزج بين التكنولوجيا الزراعية والمالية.
-
“دابشي” (تونس): منصة إلكترونية لبيع الأزياء الجديدة والمستعملة.
كما سلط التقرير الضوء على مبادرات مصرية، أبرزها:
-
“إبداع مصر”: منصة إلكترونية لدعم الابتكار وريادة الأعمال.
-
“مصر تبدأ”: حاضنة أعمال مدعومة من السفارة البريطانية وIFC، تركز على مشروعات ذات أثر مجتمعي.
التحديات التي تواجه ريادة الأعمال الرقمية
رغم الفرص الكبيرة، إلا أن هناك تحديات تعيق نمو ريادة الأعمال الرقمية، أبرزها:
-
ضعف البنية التحتية الرقمية: خاصة في الدول النامية التي تواجه صعوبة في تبني تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي.
-
تهديدات الأمن السيبراني: وافتقار العديد من الشركات الصغيرة للحماية الرقمية الكافية.
-
نقص المهارات الرقمية: حيث تعاني بعض الدول من فجوة في الكوادر المؤهلة لإدارة الأعمال الرقمية بفعالية.
الجهود المصرية لدعم ريادة الأعمال الرقمية
استعرض التحليل مجموعة من المبادرات التي أطلقتها مصر في هذا المجال، منها:
-
تأسيس مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال (TIEC) عام 2010 لدعم الابتكار وتقديم خدمات تدريب وتقييم.
-
إطلاق مبادرة “رواد النيل” في 2019 لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
-
مبادرة “رواد مصر الرقمية” لتنمية مهارات الشباب في التقنيات الحديثة.
-
منصة الابتكار المفتوح للمدن الذكية بالقاهرة بالشراكة مع Plug and Play والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
-
قانون رقم 5 لسنة 2022 لتنظيم التكنولوجيا المالية.
-
قرارات هيئة الرقابة المالية الخاصة بالهوية الرقمية والتعرف الإلكتروني على العملاء، والتي تُعد الأولى من نوعها بالمنطقة.
اختتم مركز المعلومات تحليله بالتأكيد على أن ريادة الأعمال الرقمية أصبحت محركًا رئيسًا للاقتصاد العالمي، إذ تتيح للأفراد والمؤسسات تحويل أفكارهم إلى مشروعات ناجحة، لكنها في الوقت نفسه، تتطلب بيئة تشريعية وتقنية متطورة، وثقافة ابتكار متأصلة، وتعاونًا مستمرًا بين القطاعين العام والخاص، والمؤسسات التعليمية، لضمان استدامة النمو وتعزيز التنافسية في السوق العالمية.