في وقت كانت الساحة السياسية تعاني فيه من الفجوة بين الأجيال، وانعدام الثقة بين الشباب والعمل العام، بزغت تجربة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين كأحد أهم مكتسبات الدولة المصرية الحديثة، وكعلامة فارقة في مسار التمكين السياسي الحقيقي، لا بالشعارات، بل بالفعل والممارسة والتأثير.
فمنذ انطلاقها عام 2018، قدّمت التنسيقية نموذجًا ملهمًا يُحتذى به في العمل السياسي الشبابي المنظم، وأثبتت أن الرهان على الشباب ليس مغامرة، بل استثمار حقيقي في مستقبل الدولة. وعلى مدار سبع سنوات، تحولت التنسيقية من منصة حوار بين التيارات المختلفة إلى مؤسسة وطنية رصينة قادرة على صناعة الكوادر، وصياغة الرؤى، والمشاركة بفاعلية في إدارة الشأن العام.
من فكرة إلى كيان مؤثر في صناعة القرار
لم تكن التنسيقية مجرد مظلة تجمع شبابًا من أحزاب مختلفة، بل تحوّلت تدريجيًا إلى حالة سياسية جديدة فرضت حضورها في المشهد الوطني، استطاعت أن ترسخ فكرة العمل السياسي القائم على الاختلاف المحترم والانتماء الوطني بعيدًا عن الاستقطاب، فجمعت بين شباب الموالاة والمعارضة داخل كيان واحد يتفق على ثوابت الدولة، ويناقش رؤى التطوير بتنوع وشفافية.
التنسيقية ليست مجرد مساحة نقاش، بل مدرسة سياسية متكاملة خرّجت نوابًا محترفين، وقيادات تنفيذية ناجحة، وأصواتًا وطنية مخلصة، كانت دائمًا في الصفوف الأمامية لدعم الدولة وقت الأزمات، والانحياز للمواطن في كل قضية،جمعت تحت مظلتها ممثلين من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، يعملون من أجل هدف واحد: إعادة الثقة بين المواطن والسياسة من خلال شباب واعٍ ومدرّب ومؤهل.
وسرعان ما تطورت المبادرة لتصبح أحد أبرز القوى الحاضرة في المشهد السياسي المصري، ليس فقط بالتمثيل في البرلمان أو الإدارة، بل عبر تقديم رؤى وسياسات ومبادرات أثبتت نضجها ووطنيتها، نجحت التنسيقية في بناء منهج عمل داخلي صارم، قوامه “خلايا العمل” المتخصصة، التي تتعامل مع الملفات الكبرى بقدر كبير من الاحترافية، فتطرح أوراق سياسات، وتقدم مقترحات واقعية، وتشارك في الحوار الوطني بأفكار قابلة للتنفيذ، وليس مجرد شعارات إنشائية.
تجربة برلمانية أثبتت النضج والمسؤولية
حين تم الدفع بعدد من أعضاء التنسيقية إلى مجلسي النواب والشيوخ، كان ذلك اختبارًا حقيقيًا لمدى جاهزية الكوادر التي تم تأهيلها داخل الكيان. وخلال السنوات الماضية، أثبت نواب التنسيقية أنهم يملكون من الوعي والتأهيل ما يجعلهم مختلفين عن الصورة النمطية للنائب الشاب، حيث كان أداؤهم في اللجان النوعية وتحت القبة محل تقدير واسع، سواء في التشريع أو الرقابة.
لكن ما يميز هؤلاء النواب حقًا لم يكن فقط نشاطهم البرلماني، بل ارتباطهم المباشر بالشارع، وحرصهم الدائم على التواجد وسط المواطنين، سواء عبر لقاءات جماهيرية دورية، أو من خلال استقبال شكاوى المواطنين والعمل على حلها ميدانيًا، ما أعاد الثقة تدريجيًا بين الناخب ومن يمثله.
كما ظهر بوضوح أن نواب التنسيقية يمارسون السياسة بعقلية جماعية ومنظمة، يتبادلون الملفات، ويشاركون في تطوير المقترحات، وينسقون مواقفهم داخل البرلمان، ما يعكس الانضباط المؤسسي الذي بنيت عليه التجربة منذ تأسيسها.
قيادات تنفيذية أثبتت الجدارة داخل الدولة
لم تقتصر تجربة التنسيقية على البرلمان، بل امتدت إلى ساحات الإدارة التنفيذية، حين تم الدفع بعدد من أعضائها ليشغلوا مناصب نواب للمحافظين، وهو تحدٍّ كبير، لأنهم دخلوا إلى عمق الجهاز الإداري للدولة، وسط بيئة مليئة بالتعقيدات.
وأثبتت التجربة أن شباب التنسيقية لم يأتوا إلى مواقعهم بقرارات سياسية فقط، بل بكفاءة واضحة ظهرت في قدرتهم على التعامل مع الملفات الخدمية، وتطوير أداء الإدارات المحلية، والتواصل المباشر مع المواطنين في الأزمات.
فأظهر نواب المحافظين من التنسيقية، وفي مقدمتهم د. هيثم الشيخ، مثالًا على القيادة الميدانية التي تجمع بين الوعي السياسي والفهم الإداري والقدرة على التنفيذ. استطاعوا العمل داخل محافظاتهم بروح الفريق، ومتابعة المشروعات القومية، والمشاركة في برامج “حياة كريمة”، وفتح قنوات تواصل مع الشباب.
نجحت هذه التجربة في إثبات أن الشباب المصري حين يتاح له المسار الصحيح، يستطيع أن يكون جزءًا من السلطة لا المتفرج عليها، وصانعًا للقرار لا مجرد مستقبِل له.
منصة وطنية موحّدة في القضايا الكبرى
في كل لحظة فارقة، كانت التنسيقية حاضرة بخطاب عقلاني ومتزن، يُعبّر عن الدولة ويقف على مسافة واحدة من الجميع، ويُقدّم خطابًا سياسيًا يعلي من شأن الدولة والمجتمع دون مزايدة أو تجريح.
ومع بدء الحوار الوطني، برز دور التنسيقية بشكل واضح، حيث شاركت في جميع محاوره بأوراق مدروسة، ومداخلات وازنة، وأثبتت أنها تملك جيلًا واعيًا يضع المصلحة العامة فوق الحسابات السياسية، ويجيد قراءة الواقع المصري بكل تعقيداته، ويطرح حلولًا عملية تستند إلى رؤية وطنية جامعة.
لم تنحز التنسيقية لطرف سياسي ضد آخر، بل قدمت نفسها كجسر بين الدولة والمجتمع، وبين جيل التغيير وجيل الخبرة، وظلت على مدار السنوات نموذجًا للحوار الحقيقي لا الصراع، ولم تشارك في تأجيج الجدل، بل قدّمت دائمًا رؤى تصالحية تنموية قادرة على بناء التوافق.
التمكين الحقيقي يبدأ من الداخل
ربما ما يميّز التنسيقية فعليًا عن غيرها من الكيانات الشبابية هو أنها تؤمن بالتمكين القائم على التأهيل، لا المجاملة، وأن الكفاءة لا تعني فقط الشهادة أو اللغة، بل الفهم العميق لطبيعة الدولة المصرية وتحدياتها.
ولهذا، اعتمدت التنسيقية منذ نشأتها على برامج تأهيل داخلية، وجلسات حوار حقيقية، وورش سياسات، ومسارات تدريبية حقيقية تخرج فيها شباب مارسوا السياسة بوعي وليس بعفوية.
وكانت النتيجة تكوين “نخبة جديدة” من الشباب تمزج بين العلم والعمل، بين السياسة والفكر، بين الوطنية والمهنية، وهذا ما جعلها تجربة متفردة في محيط عربي كانت فيه معظم الكيانات الشبابية تفتقر للاستمرار أو الجدية.
مشروع دولة.. لا مبادرة مؤقتة
بعد سبع سنوات من الانطلاق، أصبحت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين عنوانًا لمشروع دولة تؤمن بأن الشباب ليسوا عبئًا سياسيًا، بل هم الأداة الحقيقية للتطوير والإصلاح. مشروع تأسس على الحوار والوعي، وبُني على التنظيم والانضباط، واستمر على أرضية وطنية خالصة بعيدًا عن الضجيج.
اليوم، تقف التنسيقية نموذجًا مصريًا فريدًا في العالم العربي، يمثل جسرًا بين الحاضر والمستقبل، وبين الدولة وشبابها، وتؤكد أن صناعة السياسة ليست حكرًا على الكبار، بل مجال لمن يملك الوعي، والإرادة، والإخلاص.