في لحظة تاريخية تجمع بين الماضي الفرعوني العريق والحاضر المتقدم، وصل القناع الذهبي الشهير للملك توت عنخ آمون، فجر اليوم، إلى عرشه الجديد داخل المتحف المصري الكبير، معلنًا نهاية حقبة طويلة في المتحف المصري بالتحرير وبداية صفحة جديدة لعرض كنوز الفرعون الشاب. يأتي هذا النقل الدقيق، الذي أشرف عليه خبراء من وزارة السياحة والآثار، في إطار الاستعدادات النهائية للافتتاح الرسمي للمتحف الكبير في الأول من نوفمبر المقبل، حيث ستُعرض لأول مرة مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون كاملة في قاعة واحدة مخصصة.
بدأت عملية النقل مساء أمس، حيث تم تغليف القناع الذهبي – الذي يزن أكثر من 10 كيلوغرامات من الذهب الخالص المرصع بأحجار الفيروز واللازورد والعقيق – وباقي المقتنيات الملكية تحت إشراف لجنة متخصصة، ليتم نقلهما في ظروف أمنية مشددة إلى الجيزة. ووصفت مصادر في الوزارة العملية بأنها “رحلة أسطورية” تحافظ على سلامة هذه الكنوز التي أبهرت العالم منذ اكتشاف مقبرة الملك عام 1922 على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في وادي الملوك بالأقصر.
قاعة الملك الذهبي: رحلة زمنية تفوق ساعتين
تمتد قاعة توت عنخ آمون داخل المتحف المصري الكبير على مساحة تزيد عن 7 آلاف متر مربع، مصممة بأحدث نظم العرض المتحفي العالمي لتقدم تجربة غامرة تجعل الزائر يشعر وكأنه يتجول داخل ممرات المقبرة الملكية نفسها. من خلال جولات سابقة للعاملين بالمتحف، تبين أن الزائر سيحتاج إلى أكثر من ساعتين لاكتشاف القاعة بالكامل، بفضل تصميمها الابتكاري الذي يشمل ممرات مائلة وحوائط منحنية بلطف تحاكي جدران الصخور في وادي الملوك.
تستخدم القاعة تقنيات متقدمة للتحكم في درجة الحرارة والرطوبة والإضاءة الهادئة، مما يضمن حفظ هذه القطع الأثرية لقرون قادمة دون أي تلف. ومن أبرز المقتنيات التي ستُعرض هناك:
- القناع الذهبي: أيقونة الآثار المصرية، يجسد ملامح الملك الشاب في سن الـ19 عامًا، مع عيون واسعة وابتسامة رقيقة تعكس الإلهية والغموض المحيط بوفاته، التي لا يزال سببها غامضًا رغم الدراسات الحديثة مثل الأشعة المقطعية.
- عرش الملك: مرصع بالمينا الزرقاء، يصور توت عنخ آمون إلى جانب زوجته نفيرتيتي في مشهد عائلي حميم.
- عربات الحرب الفاخرة: أربع عجلات مذهبة، تشهد على قوة الإمبراطورية المصرية القديمة.
- تماثيل الحراسة الذهبية: وأسرة جنائزية على هيئة آلهة مثل إيزيس ونفتيس، بالإضافة إلى مجموعة تضم أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية، من حلي ومجوهرات إلى أواني كانوبية وكرسي الاحتفالات الشهير.
تضم المجموعة الكاملة 5,398 قطعة أثرية، ستُعرض مجتمعة لأول مرة في التاريخ، مما يجعل قاعة توت عنخ آمون “درة التاج” للمتحف الكبير، الذي يتسع لأكثر من 100 ألف قطعة أثرية من الحضارة المصرية القديمة.
وداع حزين لمتحف التحرير بعد قرن من الزمن
شهد المتحف المصري بالتحرير، الذي احتضن القناع الذهبي منذ تسجيله كقطعة تاسعة في عام 1934، إقبالًا غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة قبل إغلاق قاعة الملك توت عنخ آمون مساء أمس. وصف الدكتور علي عبد الحليم، مدير المتحف، اللحظة بأنها “وداع ملكي يطوي فصلًا من المجد”، مشيرًا إلى أن المتحف سيستمر في استقبال الزوار بشكل طبيعي باستثناء هذه القاعة المغلقة لاستكمال عمليات النقل.
وأكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن النقل شمل قطعًا هامة مثل المقصورة الخشبية المذهبة للأواني الكانوبية ومجموعة من القلادات والمجوهرات، مضيفًا أن هذه الخطوة تمثل “حدثًا أثريًا عالميًا” يعيد إحياء حضارة بأكملها.
مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، يتطلع عشاق الآثار إلى هذه التجربة الجديدة التي ستجمع بين التراث الفرعوني والتكنولوجيا الحديثة، محولة زيارة المتحف إلى رحلة زمنية لا تُنسى. توت عنخ آمون، الملك الذي حكم لسنوات قليلة فقط، يعود اليوم إلى عرشه الأخير، جاهزًا ليبهر العالم من جديد.