في تطور دبلوماسي يعكس التوازنات الدقيقة في السياسة الخارجية اليابانية، أبلغت طوكيو إسرائيل رسميًا برفضها الاعتراف بدولة فلسطينية حاليًا، وذلك في ظل ضغوط أمريكية واضحة للحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن وتل أبيب. جاء هذا الإعلان وسط تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف عملياتها في غزة، مع إعلان دول غربية أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وكندا نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.
خلفية القرار: ضغوط أمريكية وتوازنات إقليمية
أفادت صحيفة “أساهي” اليابانية، نقلاً عن مصادر حكومية غير مسماة، أن اليابان قررت عدم الاعتراف بدولة فلسطين في الوقت الراهن، وذلك للحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي تعارض هذه الخطوة بشدة. وفقًا لتقارير رويترز، حثت واشنطن طوكيو عبر قنوات دبلوماسية متعددة على تجنب الاعتراف، معتبرة أنه قد يفاقم التوترات ويصعب جهود السلام. في المقابل، دعت فرنسا اليابان بقوة إلى الانضمام إلى الدول التي ستعلن الاعتراف، كما أعربت بريطانيا عن أمل مشابه.
وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا أكد خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء أن بلاده تجري “تقييمًا شاملاً” لمسألة الاعتراف، بما في ذلك التوقيت والآليات المناسبة، لكنه أوضح اليوم الجمعة أن طوكيو لا تعتزم اتخاذ هذه الخطوة خلال اجتماعات الأمم المتحدة هذا الشهر. كما سيغيب رئيس الوزراء شيجيرو إشيبا عن اجتماع يوم 22 سبتمبر المخصص لمناقشة حل الدولتين، مما يعزز من الرسالة الدبلوماسية الموجهة إلى إسرائيل بأن طوكيو لن تتبع الاتجاه الغربي الجديد.
السياق الدولي: انقسام في مجموعة السبع
يأتي قرار اليابان في سياق انقسام واضح داخل مجموعة الدول السبع (G7)، حيث أعلنت فرنسا في يوليو نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية للضغط على إسرائيل لإنهاء الحصار على غزة، تلتها بريطانيا وكندا وأستراليا. أما ألمانيا وإيطاليا، فقد وصفتا الاعتراف الفوري بـ”غير مثمر”، مما يجعل اليابان تتوافق مع الولايات المتحدة في رفضها له. ومع ذلك، صوتت اليابان مؤخرًا ضمن 142 دولة في الأمم المتحدة لصالح إعلان يدعو إلى “خطوات ملموسة ومحددة زمنيًا” نحو حل الدولتين، مما يعكس دعمها النظري للحل السلمي دون خطوات عملية فورية.
من جانبها، أكدت إسرائيل رفضها القاطع لأي اعتراف أحادي الجانب، معتبرة أنه ينتهك اتفاقيات أوسلو ويضعف المفاوضات المباشرة. وفي خطوة تعكس التوتر، أشارت تقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدد بردود أحادية الجانب على الدول التي تعترف بفلسطين، بما في ذلك توسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
التداعيات: بين الدعم الإنساني والحذر الدبلوماسي
رغم رفض الاعتراف، تستمر اليابان في دعم الشعب الفلسطيني إنسانيًا، حيث قدمت منذ أكتوبر 2023 مساعدات بلغت 230 مليون دولار لسكان غزة والضفة الغربية، بالإضافة إلى برامج طويلة الأمد في الحوكمة والزراعة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، أثارت هذه الخطوة انتقادات داخلية في اليابان، حيث قدمت مجموعة من النواب مذكرة بـ206 توقيعات إلى إيوايا تطالب بالاعتراف الفوري.
على الصعيد العالمي، يُعد هذا القرار جزءًا من سباق دبلوماسي أوسع، حيث اعترفت 10 دول من مجموعة العشرين (G20) بفلسطين سابقًا، بينما تتردد التسع الأخرى بما فيها اليابان والولايات المتحدة. وفي ظل الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، يثير القرار تساؤلات حول مدى فعالية الضغط الدولي في دفع إسرائيل نحو وقف إطلاق النار.
مع اقتراب نهاية اجتماعات الأمم المتحدة، يبقى السؤال: هل سيغير هذا الرفض مسار الجهود الدبلوماسية، أم أنه مجرد تأجيل مؤقت؟ الإجابة تكمن في ديناميكيات التحالفات الدولية، التي تظل أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.