تصاعدت خلال الساعات الماضية شكاوى مواطنين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من تراجع جودة خدمات الاتصالات والإنترنت على شبكة «أورنج مصر»، وحدّث كثيرون عن صعوبات في إجراء المكالمات أو استخدام البيانات و”الانقطاع عن العالم” لساعات في بعض المناطق.
ورغم تفاوت حدّة الأعطال جغرافيًا، أعاد هذا الجدل سؤالَي: من يحاسب؟ وكيف تُصان حقوق المستخدمين عند تراجع الخدمة؟
«معزولون عن العالم»
الإعلامية لميس الحديدي كتبت عبر حسابها على متسائلة: «يعني إيه يا شركة أورانج من ساعات مش عارف استخدم الإنترنت والتليفون ومعزول عن التواصل بالعالم.. هل معقول ده؟!».
بينما غرّد عضو مجلس النواب محمد عبد العزيز قائلاً: «مش عارف أعمل تليفون واحد لا عادي ولا فيستايم.. هو فيه إيه؟ أنا أورانج.. هل دي مشكلتي أنا بس؟». هذه التعليقات لاقت تفاعلًا واسعًا وأعطت الأزمة صدى أكبر باعتبارها طالت إعلاميين ومسؤولين.
مؤشرات رسمية: إنذارات وغرامات.. وأماكن تتكرر فيها الأعطال
تُظهر تقارير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن ملف جودة الخدمة يخضع لرقابة وعقوبات تراكمية. فوفق بيان رسمي للجهاز، تم تغريم مقدمي خدمات المحمول مجتمعين 33 مليون جنيه عن تجاوز معايير الجودة في الربع الأول من 2024، مع اعتماد 743 محطة تغطية جديدة لتحسين المؤشرات الفنية. هذه الغرامات شملت السوق بأكمله وتستند إلى قياسات ميدانية دورية للصوت والبيانات.
وعلى مستوى القياسات الفنية، وثّق تقرير «المؤشرات الشهرية لجودة خدمات المحمول» (مارس 2024) تفاوتًا بين الشركات والمناطق، وأورد أرقامًا للمناطق التي تنخفض فيها جودة الصوت والبيانات. ويعكس ذلك أن الأعطال ليست “عرضًا عابرًا”، بل مشكلة تتكرر في جيوب جغرافية محددة تتطلب توسعًا مستمرًا في محطات التغطية وحلولًا تقنية دقيقة.
الأزمات الكبرى وتأثير البنية التحتية
أشار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات مؤخرًا إلى حادث سنترال رمسيس باعتباره نموذجًا لخلل في البنية التحتية أثّر على خدمات المحمول والإنترنت لعدة ساعات. وأكد الجهاز أنه ألزم الشركات باتخاذ إجراءات عاجلة لتعويض المتضررين. ويرى خبراء الاتصالات أن مثل هذه الحوادث توضح أن “المشكلة ليست دومًا تشغيلية خاصة بالشركة الواحدة، بل قد تعود لأعطال في محاور محورية للبنية التحتية، ما يستدعي خطط طوارئ أكثر صرامة وتنسيقًا بين الشركات والمنظم”.
من يتحمل المسؤولية عن الانقطاع؟
المسؤولية قانونًا وفنيًا «مركّبة». الشركة مقدمة الخدمة تُسأل عن تلبية المعايير القياسية لجودة الصوت والبيانات، وعن وجود خطط طوارئ واستمرارية أعمال تحدّ من أثر أي أعطال. وفي المقابل، يفرض المنظّم (NTRA) قياسات دورية وعقوبات وتوسعات في السعات والرخص ومحطات التغطية، وهو ما ظهر في الغرامات الأخيرة وخطط إضافة مئات المحطات.
كما أن حوادث بنية تحتية عامة—كالأعطال أو الحرائق في نقاط محورية—قد تتسبب في تأثر أكثر من شبكة، وهنا يتدخل المنظّم لفرض تعويضات أو إجراءات مُلزمة عند اللزوم؛ فبعد حادث سنترال رمسيس مؤخرًا، ألزم الجهاز شركات الاتصالات بإجراءات عاجلة لتعويض المتضررين عن تأثر خدمات المحمول والإنترنت.
حقوق المستخدمين.. وكيف تشتكي؟
وفق الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، يحق للمستخدم التقدم بشكوى إلى الشركة، وإذا لم تُحل خلال الإطار الزمني، تنتقل الشكوى إلى مركز شكاوى الجهاز عبر الخط الساخن 155 أو تطبيق MyNTRA أو بوابة الشكاوى الإلكترونية.
هذه الآلية تعمل كـ«مستوى ثانٍ» للفصل وضمان التنفيذ في إطار قانون الاتصالات رقم 10 لسنة 2003. ويشير الجهاز أيضًا إلى قنوات واتساب وبريد إلكتروني مخصصة لتلقي الشكاوى.
هل تمر «أورنج مصر» بأزمة تشغيلية أم مالية؟
ماليًا، تُظهر بيانات مجموعة «Orange» العالمية نموًا في إيرادات وحدتها المصرية خلال 2024 و2025، مع توسع قاعدة العملاء واستثمارات مُعلنة لتطوير الشبكة. فقد سجّلت «أورنج مصر» إيرادات تُقدّر بنحو 16.5–19.2 مليار جنيه في النصف الأول من 2024 (بحسابات المجموعة باليورو)، فيما ذكرت تقارير محلية أن إيرادات الربع الأول من 2025 بلغت نحو 10.3 مليار جنيه. هذا الاتجاه يوحي بأن التحدي الراهن أقرب إلى «تحسين جودة الخدمة والتغطية» لا «أزمة مالية»، مع خطط استثمارية معلنة لتطوير الشبكة خلال 2025.
ماذا بعد؟.. إجراءات مطلوبة سريعًا
•خطة فورية من الشركة: إعلان واضح من «أورنج مصر» يحدّد أسباب تراجع الخدمة في المناطق المتضررة وخريطة زمنية لمعالجة الأعطال، مع توسيع القنوات التعويضية (دقائق/ميجابايت إضافية، تمديد باقات) بما يتناسب مع مدة التأثر.
•متابعة تنظيمية مُعلنة: نشر تحديثات قياسات الجودة بشكل أوضح للمستخدمين، وتسمية المناطق التي تتكرر فيها المشكلات وخطط علاجها، وتفعيل الجزاءات متى لزم الأمر.
•حق المستهلك: استخدام مسارات الشكوى الرسمية (رقم 155، MyNTRA، بوابة الشكاوى) والاحتفاظ بأرقام البلاغات تتبّعًا لحقوق التعويض أو الحل.
الضجيج على السوشيال ميديا يعكس وجعًا حقيقيًا: انقطاع الخدمة أو تذبذبها يمسّ العمل والدراسة والمعاملات اليومية. لكن أمام المستخدمين أدوات قانونية وتنظيمية واضحة للإنصاف، وأمام الشركات التزامٌ بمعايير جودة لا تسقط بالتبرير. المؤشرات الرسمية تُظهر أن المنظم يغرّم ويقيس ويضيف محطات، لكن الحلقة الأهم تبقى في سرعة استجابة الشركات لخريطة الأعطال المتكررة، وإعلان خطط علاج شفافة، وتعويضات عادلة. وحتى يحدث ذلك، سيظل السؤال حاضرًا: من يحمي حق المشترك في اتصالٍ ثابتٍ يليق بثمن الخدمة؟