كشف مركز مسارات للدراسات الاستراتيجية في دراسة حديثة أعدها الباحث في العلاقات الدولية محمود حسن، عن تصاعد الدور الأذربيجاني في منطقة الساحل الإفريقي، في سياق إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية، وتراجع النفوذ الفرنسي التقليدي لصالح قوى جديدة مثل روسيا، والصين، وتركيا، وانضمام قوى ناشئة غير تقليدية إلى هذا التنافس، وعلى رأسها أذربيجان.
وأوضحت الدراسة التي حملت عنوان “التموضع الأذربيجاني في الساحل الإفريقي: من الهامش إلى الفاعلية”، أن باكو اعتمدت مزيجًا من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والناعمة، لتعزيز حضورها في منطقة الساحل، مستفيدة من خبراتها في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتحول الرقمي.

انخراط متعدد الأبعاد
ووفقًا للدراسة، فقد بدأت أذربيجان خلال السنوات الأخيرة بتكثيف اتصالاتها السياسية مع دول الساحل مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من خلال زيارات رفيعة المستوى، وتفعيل قنوات التشاور الدبلوماسي الثنائي. كما عملت على توسيع دورها التنموي من خلال تقديم مساعدات إنسانية ومنح تعليمية، فضلًا عن انخراطها في ملفات الطاقة والتعدين، والاستثمار في البنية التحتية للطاقة بالدول الإفريقية.
كما أشار الباحث محمود حسن إلى أن أذربيجان تبنت خطابًا داعمًا لقضايا التحرر الإفريقي، أبرزها دعمها العلني لمساعي جزر القمر في استعادة جزيرة مايوت من فرنسا، وإنشاء “مجموعة مبادرة باكو” المناهضة للاستعمار، ما أكسبها تعاطفًا متزايدًا في المجتمعات المحلية لدول الساحل.

دوافع استراتيجية وتحولات دولية
بحسب الدراسة، فإن انخراط أذربيجان في الساحل الإفريقي ليس تحركًا عشوائيًا، بل يأتي مدفوعًا بجملة من الدوافع الاستراتيجية، من أبرزها: الضغط على فرنسا وتقليص دعمها لأرمينيا عبر دعم الحركات المناهضة للنفوذ الفرنسي في إفريقيا، وتوسيع صادراتها الدفاعية، خاصة الطائرات المسيرة والأسلحة الخفيفة، في ظل توجه دول الساحل لتنويع مصادر التسليح، والاستفادة من فرص النمو الاقتصادي في القارة الإفريقية، التي تعد من أسرع المناطق نموًا في العالم، وبناء نفوذ ناعم طويل الأمد من خلال التعليم، الثقافة، والمساعدات الإنسانية، لتعزيز صورة باكو كشريك تنموي موثوق.
اتجاهات مستقبلية واعدة
تتوقع الدراسة أن يشهد الدور الأذربيجاني في الساحل تطورًا خلال المرحلة المقبلة، مع التركيز على: تعميق التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والمناخ، تماشيًا مع استضافة باكو لمؤتمر COP29 ونقل نموذج الحوكمة الرقمية الأذربيجاني “أسان خدمة” إلى دول الساحل لتعزيز الشفافية وتقليل الفساد، وترسيخ دور أذربيجان كفاعل متوازن في بيئة دولية معقدة، من خلال علاقاتها المتنوعة مع قوى متباينة كروسيا وتركيا وإيران.
وأكد الباحث محمود حسن في ختام دراسته أن أذربيجان مرشحة لأن تصبح رقمًا مهمًا في معادلة الساحل الإفريقي، ليس فقط بوصفها مصدرًا جديدًا للسلاح أو الطاقة، بل كشريك يسعى لتقديم نموذج بديل للعلاقات الدولية، يقوم على الشراكة لا التبعية، وإذا ما استمر هذا النهج المرن، فقد تسهم باكو في تحويل تعددية الشراكات الدولية في الساحل إلى فرصة حقيقية للتنمية والأمن والاستقرار.