أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا تناول موضوع “الاقتصاد الفضي”، مسلطًا الضوء على ظاهرة الشيخوخة السكانية التي باتت تمثل التحول الديموغرافي الأبرز على مستوى العالم. تُعرف هذه الظاهرة بارتفاع نسبة كبار السن في المجتمع مقارنة بالشباب، سواء من حيث العدد أو النسبة المئوية، وهو ما بدأت تشهده الدول المتقدمة بالفعل، ومن المتوقع أن تتبعه الدول النامية قريبًا، مما يفضي إلى عالم يعجّ بكبار السن.
وعلى الرغم من أن الشيخوخة السكانية ظاهرة عالمية، إلا أن وتيرتها تختلف بين الدول، حسب طبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها كل دولة. ومن هنا، برز مفهوم “الاقتصاد الفضي”، الذي يعكس رؤية جديدة ترى في كبار السن عنصرًا فاعلًا قادرًا على تقديم مساهمات اقتصادية واجتماعية قيمة بعد التقاعد، لا سيما عندما يكونون في صحة جيدة ويحتفظون بنشاطهم.
ويتعلق هذا المفهوم بالانتقال من النظرة التقليدية التي كانت تعتبر كبار السن عبئًا على أنظمة الرعاية الاجتماعية، إلى رؤية أكثر شمولية ترى فيهم مساهمين نشطين في الاقتصاد، سواء من خلال توسيع مشاركتهم في سوق العمل، أو تعزيز ريادة الأعمال، أو تقديم الرعاية، أو زيادة الإنفاق الاستهلاكي.
يؤكد التحليل أن “الاقتصاد الفضي” يقوم على عدة مفاهيم مترابطة، منها الشيخوخة النشطة والإنتاجية بعد سن التقاعد. ويرى أن الشيخوخة ليست مجرد ظاهرة ديموغرافية لا يمكن تغييرها، بل فرصة اقتصادية يمكن استغلالها عبر سياسات متعددة، تشمل تحسين بيئات العمران، وتعزيز فرص العمل لكبار السن، وتشجيع التعلم مدى الحياة، وتحسين الرعاية الصحية الوقائية، بالإضافة إلى تبني التقنيات الحديثة التي تخفف من الأعباء المرتبطة بالتقدم في السن، مثل المنازل الذكية، والروبوتات الطبية.
وفي سياق التحديات التي تواجه الدول النامية، يلفت التحليل إلى أن نحو 80% من كبار السن في العالم سيعيشون في هذه الدول بحلول عام 2050، ما يضع ضغطًا كبيرًا على النظم الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه في الوقت نفسه يفتح فرصًا حقيقية لتحقيق نمو اقتصادي شامل إذا ما تمت إدارتها بشكل فعّال.
وتشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن أوروبا وأمريكا الشمالية سيشكلون أقل من 20% من كبار السن بحلول منتصف القرن، في حين ستمثل منطقة شرق وجنوب شرق آسيا نحو 37% من هذه الفئة، الأمر الذي يستدعي من هذه المناطق تبني سياسات الاقتصاد الفضي كاستراتيجية تنموية لمواجهة شيخوختها المتسارعة.
ومن التحديات الكبرى التي تواجه هذه الدول قصر الفترة الزمنية التي تمتلكها للتكيف مع التغير الديموغرافي مقارنة بالدول المتقدمة، فضلًا عن ضعف المؤسسات، ونقص الخدمات، ومحدودية الحماية الاجتماعية لكبار السن، مما يتطلب اعتماد سياسات استباقية وعمل جاد لمواكبة هذه التحولات.
أما على صعيد الفرص، فيبرز الاقتصاد الفضي قطاعات واعدة عديدة يمكن للدول النامية الاستفادة منها، مثل الرعاية الصحية المخصصة لكبار السن، والخدمات المالية التي تتيح شمولًا ماليًا أكبر، والسياحة التي تستهدف كبار السن الباحثين عن السفر والترفيه، إضافة إلى فرص التعلم مدى الحياة التي تحفز كبار السن على المشاركة في سوق العمل والمجتمع بشكل فعال.
ويشير التحليل إلى أن بعض الدول مثل الهند وكينيا قد تبنت نماذج مبتكرة في تقديم الرعاية الصحية المجتمعية لكبار السن، بينما توفر خدمات مالية رقمية ومعاشات تقاعدية مرنة فرصًا لتعزيز الاستقرار الاقتصادي لهذه الفئة.
وأخيرًا، يقدم مركز المعلومات توصيات واضحة للحكومات في الأسواق الناشئة والدول النامية، من ضمنها ضرورة دمج كبار السن في السياسات التنموية، تطوير أنظمة الحماية الاجتماعية، دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال التي تخدم هذه الفئة العمرية.
يخلص التحليل إلى أن “الاقتصاد الفضي” يمثل فرصة تحويلية تمكن الدول من تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، إذا ما تم استثمار الموارد والفرص المتاحة، مع توفير بيئات ملائمة لكبار السن تضمن مشاركتهم الفعالة في الاقتصاد والمجتمع.