ثورة 30 يونيو.. كانت الجدة تحكي لحفيدها الصغير، بينما يجلس إلى جوارها في شرفة تطل على الحارة القديمة، عن ذلك اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء.
قالت له بصوت خافت يشبه صوت الذكريات: “في يوم من أيام الصيف، يا حبيبي، لم تكن الشمس تطل من السماء فقط، بل كانت تشتعل في قلوب الناس. كان الغضب يمشي في الشوارع، لا يحمل عصًا ولا سلاحًا، بل يحمل حب الوطن ووجع السنين.. هكذا كان ضمن مشاهد ثورة 30 يونيو”.
سألها الطفل بدهشة: “طيب إيه اللي حصل في ثورة 30 يونيو؟”، هزّت رأسها، وابتسمت ابتسامة حزينة: “كانت حرب من نوع تاني.. حرب بين بلد بتحاول تقوم، وجماعة كانت عايزة تلبّسها عباية مش بتاعتها. الناس خرجت مش علشان جوعانة ولا غضبانة، خرجت علشان خايفة على بلدها.”
صرخة شعب.. وسقوط وهم
توقفت لحظة، كأنها ترى صورة ثورة 30 يونيو تمر أمام عينيها، ثم تابعت: “أنا فاكرة الستات اللي نزلوا قبل الرجالة، فاكرة الولاد اللي مسكوا صور الشهداء، فاكرة الهتاف اللي كنا بنقوله من قلوبنا: يسقط حكم المرشد!”
تستكمل حديثها: “كان فيه شعور غريب يومها.. إنك بتحارب من غير ما تمسك سلاح، وبتبني من غير طوبة، وبتدافع عن وطنك بكلمة، بهتاف، بصورة ابنك، أو حتى بدمعة في عينيك.”
تصمت الجدة، بينما كان الحفيد ينظر إليها في صمت، كأنما فهم أن ما جرى لم يكن مجرد خبر في كتب التاريخ، بل قصة ناس عاديين قرروا في يوم ما، أن يقولوا “كفاية”، وأن يعيدوا للوطن اسمه.
في صيفٍ ملتهب من عام 2013، لم تكن حرارة الشمس وحدها ما يحرق الأجساد، بل كان الغليان الشعبي في ذروته، إذ شعر المصريون أن الوطن يُنتزع من بين أيديهم، وأن الحلم الوطني يُختطف لحساب مشروع طائفي لا يعترف إلا بالانتماء للتنظيم.
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرّد مظاهرة حاشدة، بل كان إعلانًا شعبيًا صارخًا لاستعادة الدولة من براثن جماعة إرهابية حاولت أن تُخضع البلاد لإرادتها، وأن تُدار مصر من مكاتب مغلقة لا من مؤسسات دستورية.
تفاصيل يوم الانتفاضة
خرج الشعب لا من أجل مطالب معيشية فقط، بل لأن الوطن نفسه كان على المحك. شاركت النساء والرجال، الشيوخ والشباب، الكل خرج يهتف: “مصر لنا، لا لأسرها في قبضة جماعة”. كانت صيحة “يسقط حكم المرشد” تعبيرًا عن رفض شعب كامل لمشروع أيديولوجي غريب أراد تقسيم المصريين على أسس الولاء لا المواطنة.
“عم سيد”، الرجل البسيط من شبرا، لم ينسَ لحظة حمله لصورة ابنه الذي استُشهد في أحداث ماسبيرو. وقف وسط ميدان التحرير يهتف بقلب يفيض ألمًا وأملًا: “مصر مش للبيع”. لم تكن دموعه وحدها التي تحكي القصة، بل كانت قصة آلاف الآباء الذين فقدوا أبناءهم كي تبقى مصر دولة حرة لا تابعة.

القوات المسلحة تلبي نداء المواطنين
وفي حي إمبابة، تتحدث “أم يوسف” عن ابنها الذي انضم طوعًا إلى اللجان الشعبية لحماية الأحياء من أي تهديد خلال ثورة 30 يونيو ، تقول بفخر: “ماكناش شايلين سلاح، لكن كان عندنا عزيمة تحمي الحارة والبلد”.
في تلك اللحظة المصيرية، لم تتردد القوات المسلحة. استمعت لصوت الناس، ولنبض الشوارع. كان موقفها حاسمًا، لا انقلابًا كما روجت الجماعة، بل وقوفًا واضحًا إلى جانب وطن مهدد وشعب اختار أن يستعيد قراره بنفسه.
لم تكن المعركة معركة ساعات، بل كانت لحظة وعي وطني. لحظة فهم فيها الناس أن الحياد خيانة، وأن الصمت مشاركة في ضياع الدولة. لذلك اصطف الجميع، رافعين العلم، كأنهم يقولون: “لن تسقط مصر”.
ومع سقوط قيادات الإخوان، وانكشاف مشروعهم، بقيت مصر صامدة، واستعادت الميادين أنفاسها، وعادت الروح الوطنية تملأ الأحياء. لم تعد هناك رايات حزبية تلوّث الجدران، بل علم واحد يُعبّر عن شعب واحد.