تلعب المتاحف دورًا بارزًا في تجسيد مراحل مختلفة من تاريخ الشعوب، وتفتح أمام الأجيال الحالية نافذة للاطلاع على جوانب تحمل العديد من الأسرار والظواهر التي مرت بها المجتمعات عبر العصور.
وتقدّم دولة الإمارات العربية المتحدة تجربة ثقافية وسياحية فريدة من خلال مجموعة متنوعة من المتاحف في المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات في أبوظبي، والتي تُوّجت بافتتاح متحف زايد الوطني، المتحف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يروي تاريخ الإمارات وقصة أرضها وشعبها، ويقف شاهدًا على إرث الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. ويُعد المتحف جسرًا ثقافيًا يبرز التاريخ والثقافة والتراث المشترك بين الإمارات السبع التي تشكّل دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويقدّم متحف زايد الوطني للزائر رحلة تفاعلية تتناول تاريخ وثقافة الإمارات منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث، حيث يمثّل نقطة التقاء بين التراث والحداثة، ويسهم في تشكيل فهم أعمق للسرد الثقافي المتطوّر للدولة وإبراز ملامحه المتجددة.
ويضم المتحف نحو 3000 قطعة ضمن ست صالات عرض دائمة، تجمع بين القطع الأثرية والمقتنيات التاريخية، والوسائط السمعية والبصرية، وتجارب متعددة الحواس، إلى جانب تركيبات فنية معاصرة، وإعادة بناء لبعض القطع الأثرية.
ويكشف المتحف عن عناصر الجغرافيا والابتكار والتبادل والإيمان التي أسهمت في تشكيل الهوية الإماراتية، بدءًا من «حديقة المسار» التي تُعد صالة عرض خارجية بطول 600 متر، وصولًا إلى صالات العرض التي تسرد حياة الشيخ زايد، والملامح الطبيعية لدولة الإمارات، والاكتشافات الأثرية التي تمتد لأكثر من 300 ألف عام من التاريخ البشري.
ويتميّز البهو الرئيسي للمتحف بعرض قارب «ماجان»، المصنوع من مواد خام ورد ذكرها على لوح صلصال مكتوب باللغة المسمارية، حيث أُعيد بناء القارب باستخدام تقنيات قديمة يعود تاريخها إلى عام 2100 قبل الميلاد، وتمكّن من اجتياز مجموعة من التجارب الصارمة، قطع خلالها مسافة 50 ميلًا بحريًا في مياه الخليج العربي.
وشارك في مشروع قارب ماجان، الذي نُظّم من قبل متحف زايد الوطني بالتعاون مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، فريق دولي يضم أكثر من 20 خبيرًا من خمس دول، من بينهم أمناء متاحف، وأساتذة جامعات، وعلماء آثار، وطلبة من دولة الإمارات، وصنّاع قوارب من ولاية كيرلا الهندية، إلى جانب خبراء من إيطاليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وتتوزع صالات العرض الرئيسية في المتحف على عدة محاور، من بينها صالة «بداياتنا» التي تسلّط الضوء على جوانب جديدة من حياة وإرث وقيم الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من خلال سرد قصصي أصيل.
كما تقدّم صالة «عبر طبيعتنا» تجربة غامرة للتعرّف على التضاريس الطبيعية المتنوعة في دولة الإمارات، وتأثيرها التاريخي في طبيعة الحياة على أرضها.
وفي صالة «إلى أسلافنا»، يستعرض المتحف الأدلة على النشاط البشري الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 300 ألف سنة في هذه المنطقة من العالم، إلى جانب تسليط الضوء على حركة التجارة المبكرة مع المجتمعات الأخرى في منطقة الخليج.
أما صالة «ضمن روابطنا»، فتتناول الآفاق الواسعة التي تمتّع بها شعب الإمارات قديمًا، والأثر الذي تركته ابتكاراته ومواده ومعارفه، والتي بلغت ذروتها مع تطوّر اللغة العربية وانتشار الإسلام، حيث تغطي الصالة العصر الحديدي قبل نحو 3000 عام، إضافة إلى انتشار الإسلام في المنطقة منذ القرن السابع الميلادي وحتى القرن الثاني عشر الميلادي.
وتروي صالة «في سواحلنا» قصة تطوّر الهوية الثقافية المتميزة لسواحل الإمارات، متتبّعة تاريخ المجتمعات الساحلية منذ عهد ابن ماجد، المولود في جلفار، وعصر الملاحين العرب العظام. كما تستكشف ثقافة الساحل من حيث العمارة والعملة والموسيقى، وصولًا إلى الركائز الاقتصادية الأساسية، مثل الصيد واستخراج اللؤلؤ والتجارة وبناء القوارب.
وفي صالة «من جذورنا»، يواصل المتحف استكشاف الهوية الإماراتية من خلال عرض أساليب الحياة التقليدية والعادات الاجتماعية التي سادت في مناطق الإمارات الداخلية، من الصحراء إلى الواحات إلى الجبال، مع تسليط الضوء على التراث غير المادي الذي انتقل عبر الأجيال وأسهم في الحفاظ على التاريخ بمرور الزمن.

ويضم المتحف أيضًا «حديقة المسار»، وهي صالة عرض خارجية بطول 600 متر، تعرّف الزوار على الجدول الزمني لحياة الشيخ زايد، وتحيط بها مناظر طبيعية استُلهمت من البيئات التي شكّلت تجربته، وتتميّز بمنحوتات ونباتات تمثّل الصحراء والواحات والمناطق الحضرية في دولة الإمارات.
ومن أبرز المعروضات الفريدة في المتحف «المصحف الأزرق»، الذي يُعد من أندر وأجمل المخطوطات القرآنية في العالم، ويعود تاريخه إلى الفترة ما بين عامي 800 و900 ميلادي، ويتميّز بكتابته على رقّ أزرق اللون بخط كوفي مذهّب، ما يجعله تحفة فنية نادرة في تاريخ الفن الإسلامي.
وكان المخطوط الأصلي يتكوّن من نحو 600 صفحة مصنوعة من جلد الغنم، لم يتبقَّ منها اليوم سوى نحو 100 صفحة موزّعة بين مجموعات خاصة ومتاحف عالمية، حيث سيتم عرض خمس صفحات منها في متحف زايد الوطني. وقد نجح فريق من الباحثين في المتحف في الكشف عن نص قرآني مخفي تحت طبقة زخرفية مذهّبة في إحدى الصفحات.



