استفاق العالم العربي، صباح اليوم، على خبر هزّ القلوب قبل العقول بوفاة زياد الرحباني، الفنان الاستثنائي، والمبدع الذي طبع الحياة الثقافية والفنية ببصمته الخاصة، عن عمر ناهز 69 عامًا. رحل ابن السيدة فيروز، ووريث العبقرية الرحبانية، تاركًا وراءه إرثًا لن يكرره الزمن.
في لحظات، تحوّلت مواقع التواصل إلى دفتر عزاء مفتوح، وارتفعت أصوات الحزن من بيروت حتى أقاصي العواصم العربية، ينعون زياد الذي لم يكن فنانًا فحسب، بل ظاهرة فكرية وفنية نادرة.
زياد الرحباني لم يكن يومًا فنانًا تقليديًا. كان الصوت المختلف، الجريء، الناقد، الذي واجه الواقع كما هو، من دون تزييف أو تجميل. عايش الهم اللبناني والعربي، وصاغه موسيقى ومسرحًا وكلمة. أول ألحانه، “سألوني الناس”، كتبها وهو ابن السابعة عشرة، فأعلن ولادته الفنية مبكرًا، وأثبت أن موهبته ليست ميراثًا فحسب، بل إبداعًا متجدّدًا.
منصّة المسرح.. وعيٌ يضحك ويبكي
في المسرح، كان زياد أكثر من كاتب أو مخرج أو ممثل. كان فكرًا يتحرّك على الخشبة. “فيلم أميركي طويل”، “سهرية”، “بالنسبة لبكرا شو”، لم تكن عروضًا للترفيه، بل مرايا للواقع اللبناني الممزق بالحرب والطائفية، ناطقة بلغة ساخرة، موجعة، لكنها شديدة الصدق.
موسيقى لا تحتاج إلى ترجمة
موسيقاه كانت مثل شخصه: هجينة، حرة، ومتحررة من القوالب. مزج فيها بين الشرقي والغربي، الجاز والعود، الكلمة الشعبية والفكر العميق. كتب لفيروز، ولحن لها، أغنيات ما زالت تُردد على كل لسان: “البوسطة”، “أنا عندي حنين”، “سلملي عليه”، وغيرها كثير.
رجل الحب والخيبة.. والحقيقة
رغم نجوميته، ظل زياد بعيدًا عن الأضواء الصفراء. علاقاته الشخصية كانت محط اهتمام الصحافة، لكنه بقي محاطًا بجدار من الخصوصية. عرف الحب والفراق، وعاش التناقض الإنساني كما هو: حساس لكنه ساخر، قاسٍ في نقده لكنه محبّ في جوهره.
نهاية الصخب.. بداية الخلود
في سنواته الأخيرة، تراجع حضوره العلني، لكن أثره لم يتراجع. ظل حاضرًا في كل حديث عن الفن والسياسة والمجتمع. ومع إعلان وفاته، خسر العرب آخر الأصوات الحرة التي لم تتردد يومًا في قول الحقيقة.
وداعًا زياد.. الحضور الذي لا يغيب
في بيان رسمي، نعت وزارة الثقافة اللبنانية الراحل، مؤكدة أن العالم العربي فقد مبدعًا لا يُعوّض، وأن رحيله ليس فقط خسارة فنية، بل إنسانية وثقافية عميقة. وأعرب الوزير عن مواساته للسيدة فيروز، ولأسرة الراحل ومحبيه.
زياد الرحباني، الذي عاش يكتب وينتقد ويحلم بصوت مرتفع، غادرنا بصمت. لكنه ترك خلفه إرثًا سيظل ينبض بالحياة، كلما عزفت مقطوعة، أو ضحكنا من مسرحية، أو بُحّ صوتنا مع أغنية.