أصدر مركز مسارات للدراسات الاستراتيجية دراسة تحليلية جديدة أعدّها الباحث هشام قدري بعنوان:”النفوذ الهندي في إفريقيا: الدوافع والمؤشرات وتداعيات الصعود”، حيث تناولت أبعاد الحضور الهندي المتنامي في القارة الإفريقية، في ظل تصاعد التنافس الدولي بين القوى الكبرى حول موارد القارة وموقعها الجيوسياسي في خريطة النظام الدولي الراهن.
تشير الدراسة إلى أن الهند باتت فاعلًا طموحًا يسعى إلى تعزيز وجوده الاقتصادي والسياسي في إفريقيا، من خلال بناء شراكات تنموية وأمنية تتجاوز المصالح التقليدية إلى إقامة روابط استراتيجية طويلة الأمد، بما يرسخ مكانة نيودلهي كقوة صاعدة في الجنوب العالمي، ويمنحها دورًا متزايد التأثير في صياغة ملامح التوازن الدولي.
وجاءت الدراسة في ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول تناول التطورات التاريخية للعلاقات الهندية الإفريقية، بدءًا من روابط النضال المشترك ضد الاستعمار وحتى مرحلة الشراكة الاقتصادية المعاصرة، مستعرضًا كيف أسهمت الهند في دعم حركات التحرر الوطني الإفريقية، ومعارضتها لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وانخراطها في عمليات حفظ السلام في القارة منذ ستينيات القرن الماضي.
وركز المحور الثاني ركّز على دوافع التمدد الهندي في إفريقيا، والتي صنفها الباحث إلى سياسية واقتصادية وأمنية؛ إذ تسعى نيودلهي إلى تعزيز حضورها السياسي داخل الجنوب العالمي، واستثمار الثقل التصويتي الإفريقي في المحافل الدولية، إلى جانب سعيها لتأمين احتياجاتها من الطاقة والموارد الطبيعية والمعادن النادرة، وتوسيع أسواق صادراتها الصناعية، فضلًا عن الطموح لتأمين موقعها في منطقة المحيط الهندي وموازنة النفوذ الصيني المتصاعد هناك.

كما استعرض المحور الثالث أبرز المؤشرات الدالة على تنامي النفوذ الهندي في إفريقيا، حيث أصبحت الهند من بين أكبر خمسة مستثمرين في القارة بإجمالي استثمارات بلغ نحو 74 مليار دولار، وتسعى إلى مضاعفتها لتصل إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2030. كما أصبحت ثالث أكبر شريك تجاري لإفريقيا بعد الصين والاتحاد الأوروبي، وحققت طفرة في صادراتها الدفاعية إلى عدد من الدول الإفريقية، بجانب مشاركتها في مناورات عسكرية بحرية مشتركة، وتوسع برامج المساعدات التنموية والتدريب وبناء القدرات في أكثر من 30 دولة إفريقية.

وأشارت الدراسة إلى أن التحركات الهندية لا تقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى الجوانب الأمنية والدبلوماسية؛ إذ تعمل نيودلهي على توسيع حضورها في منطقة المحيط الهندي، وتدعيم نفوذها من خلال مبادرات عدة تهدف إلى تعزيز التعاون البحري والأمني مع دول القارة.
كما لفتت الورقة إلى دعم الهند الدائم لمساعي منح إفريقيا تمثيلًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، وموقفها الداعم لعضوية الاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين (G20)، وهو ما يعكس إدراك نيودلهي لأهمية القارة كعمق استراتيجي ومحور ارتكاز في رؤيتها للنظام الدولي الجديد.

وفي ختام الدراسة، خلص الباحث إلى أن النفوذ الهندي المتصاعد في إفريقيا يعكس مزيجًا من الضرورات الاقتصادية والطموحات الاستراتيجية، وأن التوجه الهندي نحو القارة تجاوز مرحلة التعاون التقليدي إلى سعي منهجي نحو قيادة الجنوب العالمي وموازنة نفوذ القوى الكبرى، خاصة الصين، بما يعزز طموح نيودلهي في الصعود كقوة عالمية فاعلة في النظام الدولي متعدد الأقطاب.


