وقد ضجت الصفحات بالمتطوعين قدحا أو مدحا لما يحدث من بعض المريدين في مولد سيدي أحمد البدوي بطنطا.
كان لابد أن أكتب، أكتب معترفا بقدري الذي لا يسمو للحكم على ما يحدث بالسوء أو بالخير، لنترك هذا لرجال العلم وهم في بلادنا كثر.
بمنتهى البساطة، أرى الهجمة شرسة على بسطاء لا يؤذون أحدا، لا يسرقون ولا يقتلون ولا يتاجرون بشيء من أمور الدنيا.
هم محبون شطحوا في التعبير عن الحب، وإن جاوزوا الحد فجرمهم أنهم فقط أخلوا أو تجاوزوا أو حتى ابتدعوا.
وحقيقة لا أعرف لما كل تلك الضجة غضبا على بسطاء ومريدين وفقراء ومجاذيب، حتى ولو لم يعجبنا تصرفهم.
لم أر تلك الضجة على سارق، ولا قاتل، ولا راقصين في قاعات مجون وخلاعة، وكأن أتباع السيد البدوي من المريدين من قوم يأجوج ومأجوج يشحذون الهمم لأكلنا!
أرى ضجة على صور المولد فاقت ضجة بعضهم على صور شهدائنا في غزة والعجيب أن كل لائم ومنبري بالنقد الرافض لتصرفات أولئك البسطاء لا يرى سواهم في مولد يجمع آلافا مؤلفة من المحبين، جلهم ملتزم وأكثرهم مريد ومعظمهم موقر لآل بيت رسول الله ﷺ حبا في رسول الله.
إن تلك الصور التي يصدروها للعامة من أصحاب الملابس الخضراء من مجاذيب ومقيمين حول المسجد، هي بضعة تحويهم أصابع اليد حصرا.
هم يستشعرون أنهم يأخذون لله الوسيلة بحب آل البيت والأولياء الصالحين.
إن من يتهمهم بالشرك ظالم، نصب من نفسه إلها مطلعا على القلوب وفحواها.
من ينكر ما يقدم في تلك الموالد من خير في ذكر الله وقراءة القرآن وإطعام الطعام والصدقات؟
من ينكر أن في الصوفية أساتذة جامعات ومشاعل علم ونور وصالحين أضاءوا الدنيا دهورا ولم يجرموا تلك الحشود؟
فلِم التهكم على محبي آل البيت ورواد تلك الموالد بصورة جردتموها من نية فاعلها للحكم عليها بنواياكم؟
لم أر تلك الهجمة على عراة في ملهى، ولا راقصين في ماخور، كما نفعل بمريدي آل البيت من أولئك البسطاء.
بمنتهى البساطة
علينا التجرد من رغبتنا في الفروسية بادعاء الحمية الكاذبة على بسطاء بدعوى شركهم،
لنستطيع رؤية تصرفاتهم بمنظور معتدل ونترك النوايا لله.
بمنتهى البساطة، هم يشعرون أنهم في حضرة مقام ولي يحبه الله، جاؤوا يعبرون عن حبهم لذاك الولي، ولإحساسهم أن الوسيلة بالأولياء لله أوصل.
هم كسيدنا عمر بن الخطاب حين استسقى بالعباس عم رسول الله ﷺ، وهو عمر.
هم يشعرون، ولو أخطأوا، أنهم في حالة روحية ترفعهم عن الدنيا نحو الله.
ولا تحاولوا تصدير المشهد أن كل تلك الجموع حول مقامات الأولياء كفروا بالله وراحوا يطلبون من أصحاب القبور التوبة والرزق والعافية.
أنتم أنفسكم تعلمون في قرارة أنفسكم أنهم من التهمة براء، وليس فيهم مشرك واحد ولو أساؤوا في الطريقة.
هم محبون لله، طالبون القرب من الله، محبون لكل من انتسب لله من حي وميت ومكان وزمان.
الله موجود ويسمع شكوانا، لكن شكوانا له في بيته الحرام أوصل… هل تنكرون؟
الله موجود ويدرك حاجتنا، لكن حاجاتنا في يوم عرفة أو ليلة القدر لله أقرب للمنال… هل تنكرون؟
الله يعلم ما بالمسلمين من عطش ويحب سيدنا عمر ورحيم بعباده، لكن عمر رأى أن السؤال بالعباس أنجى… هل تنكرون؟
وأولئك المريدون يحبون الله، ويرون أنهم في ساحة حبهم لآل بيت رسول الله ولأولياء الله، الحب أقوى وأواصره أطيب.
دعوا الملك للمالك.
دعوا المريدين والمحبين يجتمعون عند أولياء الله، لا طلب لهم ولا مطلب سوى المحبة في الله.
دعوهم يلتفون حول الأماكن الطيبة وفي الأوقات الطيبة وحول الناس الطيبة، وانصحوا من شطح به الحب بالحسنى والكلمة الطيبة.
اتقوا الله في عباد الله، فلله في خلقه شؤون.
لم نتفنن في البحث عن الخلاف لا الاختلاف؟
لم الإصرار على أن نتفرق حتى بالحكم على النوايا؟
الأمر بمنتهى البساطة يحتاج لتذوق الناس بالقلوب لا الحكم عليهم بالظاهر من فعلهم.
الأمر بمنتهى البساطة يحتاج أن نرى كل الجموع بأنهم في خير لا شر، وبنية طيبة لا للاتفاق على مفسدة أو مضرة بالبلاد أو العباد.
القرآن جاز باختلاف ألسنة العرب، أفلا يجوز الحب باختلاف ثقافات الناس وسبلهم للتعبير عن حبهم؟
ما قيل وما يقولوا وما سيقولون…
ما قيل في الموالد تجن،
وما يقولوه من بلا علم عن المريدين اتهام باطل،
وربما ما سيقولونه فينا بمقالنا هذا أكثر،
لكننا لن نخشى في الله لومة لائم.
لن نترجم ولا نعلل تصرفا واحدا من تصرفات الناس، لكننا نلتمس لهم العذر ونحملهم على نواياهم، لعلنا نسلم في بلادنا من فتن بتنا نخترعها.