في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الصناعية المصرية، أعلن رجل الأعمال البارز أحمد عز، رئيس مجموعة شركات عز للصلب، ترشحه الرسمي لعضوية مجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية التابعة للاتحاد المصري للصناعات، ضمن فئة الشركات الكبيرة. يأتي هذا الترشح بعد غياب دام ربع قرن عن المشهد السياسي والصناعي الرسمي، منذ آخر مناصبه كوكيل للاتحاد بين عامي 1998 و2001، ويُعتبر بمثابة محاولة لاستعادة نفوذه في قطاع الحديد والصلب، الذي يُعد واحداً من أهم الركائز الاقتصادية في مصر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ينجح عز في استعادة عرشه داخل “غرفة الحديد”، أم سيرضخ أمام جيل “المعلمين الجدد” الذين يسيطرون على الساحة الصناعية حالياً؟
عودة “رجل الحديد” بعد سنوات الغياب
أحمد عز، الذي يُلقب بـ”رجل الحديد” بسبب سيطرته على أكبر مجموعة إنتاج حديد في الوطن العربي، كان واحداً من أبرز رموز النظام السابق قبل ثورة 25 يناير 2011. شغل مناصب سياسية رفيعة مثل أمين التنظيم في الحزب الوطني الديمقراطي، وكان يُعتبر حليفاً مقربًا لجمال مبارك. واجه عز محاكمات قضائية في عهد الرئيس محمد مرسي، حيث حُكم عليه بالسجن لسنوات بتهم تتعلق بالفساد والاحتكار في سوق الحديد، لكنه برئ لاحقاً في معظم القضايا، وعاد ليبني إمبراطوريته الصناعية من جديد. اليوم، يُعد عز رئيساً للاتحاد العربي للحديد والصلب، وتُسيطر شركاته على نحو 40% من إنتاج الحديد المصري، مما يجعله قوة لا يُستهان بها.
ترشح عز يأتي في سياق انتخابات دورة 2025-2029 لمجالس إدارة الغرف الصناعية التابعة للاتحاد، والتي تبدأ في 15 أكتوبر المقبل وتنتهي في 12 نوفمبر. وفقاً للقانون الجديد للاتحاد، ستُجرى الانتخابات بشكل مباشر لأول مرة لاختيار رئيس الاتحاد والوكيلين من بين الأعضاء، مما يزيد من حرارة السباق. أغلقت اللجنة القانونية المشرفة باب الترشح مؤخراً، ونشرت القوائم المبدئية مع مهلة أسبوع للطعون. في غرفة الصناعات المعدنية تحديداً، المقرر إجراء الانتخابات فيها يوم 29 أكتوبر، وستُختار 12 عضواً (4 من كل فئة: كبيرة، متوسطة، صغيرة)، مع تعيين 3 آخرين من قبل وزير الصناعة، ليكتمل المجلس إلى 15 عضواً. هؤلاء الأعضاء سيشكلون الجمعية العمومية للاتحاد، التي تختار رئيسه لاحقاً.
مصادر في الاتحاد أكدت أن عز يطمح ليس فقط لعضوية المجلس، بل لمنصب رئيس الغرفة نفسه، وربما رئاسة الاتحاد خلفاً لمحمد زكي السويدي. هذه الخطوة تعكس رغبة عز في تعزيز دوره داخل القطاع الصناعي، خاصة مع التحديات الاقتصادية الحالية مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والاستيراد، وفقدان الغرفة نفوذها التاريخي أمام “المعلمين الجدد” الذين بنوا إمبراطورياتهم في العقدين الأخيرين.
المنافسة الشرسة: “المعلمين الجدد” يتحدون العودة
لا تكون المهمة سهلة على عز، حيث تواجهه منافسة شرسة من “المعلمين الجدد” في قطاع الصناعات المعدنية، الذين يُمثلون جيلاً جديداً من رجال الأعمال الذين نجحوا في بناء شركات عملاقة دون الارتباط السياسي السابق. تضم قائمة المرشحين في فئة الشركات الكبيرة (التي تتنافس على 4 مقاعد) أسماء ثقيلة مثل:
- أيمن العشري: رئيس مجلس إدارة مجموعة العشري للحديد والصلب، وهو أحد أبرز اللاعبين في السوق المصري، يُعرف بتوسع شركاته السريع في الإنتاج والتصدير.
- حسن المراكبي: الرئيس التنفيذي لشركة المراكبي للصلب المصرية، الذي يسيطر على جزء كبير من إنتاج الصلب المحلي ويُعتبر منافساً مباشراً لعز في السوق.
- محمد الجارحي: صاحب مصانع الجارحي للحديد والصلب، الذي بنى إمبراطوريته من الصفر ويُمثل نموذجاً للنجاح الحديث في القطاع.
- علاء أبو الخير: عضو مجلس إدارة شركة العز الدخيلة للصلب (التي تابعة لمجموعة عز)، لكنه يُعتبر منافساً داخلياً محتملاً، إلى جانب عمرو قنديل (رئيس شركة كاما لطلاء المعادن) وحسام فرحات وشريف عياد.
يبلغ إجمالي المرشحين 21 شخصاً من جميع الفئات، وتوقعت مصادر في الغرفة أن الانتخابات لن تُحسم بالتزكية التقليدية، بل ستكون سباقاً مفتوحاً يعتمد على الدعم من الشركات الأعضاء. محمد حنفي، المدير التنفيذي للغرفة، أكد في تصريحات لـ”العربية بزنس” أن المنافسة ستكون “قوية ومتنوعة”، مشيراً إلى أن عز يدخل السباق بـ”خبرة تاريخية”، لكن “الجدد” يمتلكون “حيوية السوق الحديثة”.
السياق الاقتصادي والسياسي: فرص وتحديات
يأتي ترشح عز في وقت يعاني فيه القطاع الصناعي من تحديات كبيرة، بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد الخام العالمية، والمنافسة الآسيوية، والضغوط البيئية على صناعة الحديد. الغرفة، التي تضم آلاف الشركات، تلعب دوراً حاسماً في صياغة السياسات الحكومية، مثل تخصيص الاستثمارات والدعم التصديري. فوز عز قد يعيد “القيادة التقليدية”، مستفيداً من علاقاته السابقة مع الحكومة، لكنه قد يواجه انتقادات بسبب ماضيه السياسي. أما “المعلمين الجدد”، فهم يُمثلون تحولاً نحو قيادة أكثر تركيزاً على الابتكار والاستدامة، بعيداً عن الارتباطات السياسية.
من جانب آخر، أثارت العودة جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يرى بعض النشطاء فيها “عودة رموز الفساد”، بينما يُثني آخرون على خبرة عز في تعزيز الصادرات. في تغريدة على منصة إكس، كتب أحد المعلقين: “تركة ثقيلة من الفساد تنتظر رئيس الاتحاد القادم… هل يملك أحمد عز الجرأة على المواجهة؟”، مشيراً إلى بلاغات سابقة عن فساد داخل الاتحاد.
سباق مفتوح يحدد مصير القطاع
مع اقتراب الانتخابات، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ينجح أحمد عز في استعادة نفوذه وإعادة تشكيل الغرفة على هواه، أم سيسود “المعلمين الجدد” ويُعيدون كتابة قواعد اللعبة في غرفة الصناعات المعدنية؟ الإجابة ستُحدد ليس فقط مسار الغرفة، بل أيضاً توازن القوى داخل الاتحاد المصري للصناعات، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد المصري إلى قيادة قوية لمواجهة التحديات العالمية. سنتابع التطورات عن كثب، حيث تبدأ الانتخابات بعد أقل من شهرين.