شهد الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، احتفالية المولد النبوي الشريف اليوم الأربعاء 3 سبتمبر 2025، الذي أقيم بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية، وألقى الرئيس كلمة بهذه المناسبة العطرة، وفيما يلي نصها:
كلمة الإمام الأكبر ف المولد النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه..
الرئيس عبد الفتاح السيسي – رئيس الجمهورية
الحفل الكريم!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛
ففي بداية كلمتي يسعدني أن أتقدم إليكم – سيادة الرئيس! -، وإلى شعب مصر الكريم، وإلى الأمتين: العربية والإسلامية، شعوبًا وحكامًا، بأطيب الأماني بحلول ذكرى مولد خير الناس وأكرمهم وأرحمهم وأعظمهم: سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين.
ما أظن أن أحدًا يرتاب اليوم في أن الحل الذي لا حل سواه هو في تضامن عربي، يدعمه تضامن إسلامي يقويه ويسند ظهره، نقول هذا ونؤكد في الوقت نفسه أننا علم الله لسنا دعاة حروب أو صراعات، بل نحن دعاة عدالة وإنصاف واحترام متبادل، وكيف لا! وقد نهى نبينا الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – أن نتمنى لقاء العدو، وأمرنا أن نسأل الله العافية منها، والعدل والسلام اللذان ندعو إليهما هما: العدل والسلام المشروطان بالإنصاف والاحترام، وانتزاع الحقوق التي لا تقبل بيعًا ولا شراءً ولا مساومة، عدل وسلام لا يعرفان الذلة ولا الخنوع، ولا المساس بذرة واحدة من تراب الأوطان والمقدسات.. عدل وسلام تصنعهما قوة الإرادة والعلم والتعليم والتنمية الاقتصادية السليمة، والتحكم في الأسواق، والتسليح الذي يمكن أصحابه من رد الصاع صاعين، ومن دفع أية يد تحاول المساس بالأرض والشعب.
إننا في الأزهر الشريف نشد على يديكم وندعو الله أن يقوي ظهركم، وأن يوفقكم فيما أنتم ماضون فيه من الثبات على الموقف الرافض لذوبان القضية الفلسطينية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه، والرفض القاطع لمؤامرات التهجير والتشبث بالموقف المصري التاريخي في حماية القضية الفلسطينية ومساندة الفلسطينيين.
إن التاريخ يحدثنا بأنه ﷺ نزلت عليه الرسالة الإلهية وهو في سن الأربعين، وأنه قضى بمكة المكرمة ثلاثة عشر عامًا يدعو الناس إلى دين التوحيد، ثم هاجر بعدها إلى المدينة المنورة وعمره الشريف آنذاك ثلاثة وخمسون عامًا قمريًا، وقد مكث صلوات الله وسلامه عليه عشرة أعوام بالمدينة المنورة، ثم لقي ربه بعد ذلك حين كان عمره ثلاثة وستين عامًا، ويتبين من كل ذلك أن ذكرى المولد في عامنا هذا هي الذكرى المئوية التي يكتمل بها مرور ألف وخمسمائة عام على مولده ﷺ، وأن هذه الذكرى لا تتكرر إلا على رأس كل مائة عام من عمر الزمان.
كما أكدها هو نفسه في قوله: “أرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون”، وإذا كانت دعوة هذا النبي الكريم من السعة بحيث تتسع لخطاب العالمين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم وأحوالهم وطاقاتهم، فإن من المنطقي أن يسبق ذلك إعداد خاص للنبي الداعي بهذه الدعوة، في طاقاته الروحية والجسدية حتى يتمكن من النهوض بالعبء الثقيل الذي سيلقى على كاهله الشريف: إنا سنلقي عليك قولًا ثقيلا * إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلًا.
ولقد كانت صفة الرحمة من بين سائر الصفات التي تحلى بها، وبما هي رحمة للعالمين أجمع هي الأنسب والأشبه بالدعوة العابرة لأقطار الدنيا، والمتعالية فوق حدود الزمان والمكان، وأنها التأهيل الذي يشاكل الرسالة في عمومها وعالميتها.
وإذن فهاهنا دعوة عامة عالمية، ترافقها رحمة عامة عالمية تسع الناس بكل ما انطوت عليه أخلاقهم، وحظوظهم من الخير والشر، والبر والفجور، والعدل والظلم، والهدى والضلال، والطاعة والمعصية، وما شئت من هذه الثنائيات التي توزعت عليها طباع بني آدم وتصرفاتهم ومعاملاتهم، وإذا كنا نقرأ في القرآن الكريم: وما أرسلناك إلا كافة للناس [سبأ: 28]، فإنا نقرأ فيه أيضًا: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء: 107]، كما نقرأ قوله تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة: 128]، وقوله سبحانه: فبما رحمة من الله لنت لهم [آل عمران: 159]، ونقرأ في سنته الشريفة: إنما أنا رحمة مهداة.
إن من يتأمل في سيرة هذا النبي الرحيم يدرك – في وضوح وجلاء – أن صفة الرحمة هي أخص خصائص صفاته التي صدرت عنها كل أفعاله وأقواله وتصرفاته مع أهله وأصحابه وأصدقائه وأعدائه على امتداد عمره الشريف، وإذا كان إثبات هذه الدعوى أو الاستشهاد عليها من سيرته، أمرًا يخرج عن حدود طاقة البحث – فإن ما يجدر في هذه المناسبة هو: قوانين الحرب التي رسخها نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف جاءت مصدقة للآية الكريمة: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
هذا؛ ومما يمكن أن يلم به المتعجل من أحكام في هذه الموسوعة النفيسة: أن القتل في الإسلام هو – حصرًا – لدفع الاعتداء، وأن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي السلم، إلى أن يقع عليهم اعتداء أو ظلم، فتكون الحرب – حالئذ – أمرًا لا مفر منه حماية للفضيلة أن تتغول عليها الرذيلة، وسوء التصرف ودناءة الخلق: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.
ومما أجمع عليه فقهاء المسلمين – في فقه الحروب – حرمة الإسراف في القتل والتخريب والتدمير والإتلاف، ووجوب أن يكون القتال محصورًا في دائرة رد الاعتداء لا يتجاوزه إلى التشفي أو الإبادة أو الاستئساد الكاذب، فكل هذه جرائم وخبائث في قتال العدو: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.