في إطار حرص مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء على متابعة وتحليل التقارير الدولية ذات الصلة بالشأن المصري، أبرز المركز مؤخراً عدداً من الدراسات والتقارير الصادرة عن مؤسسات دولية رائدة، ومنها منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) ومنصة بروجيكت سينديكت (Project Syndicate)، التي تناولت التطورات المتسارعة في قطاع التكنولوجيا وأثرها على الاقتصاد والتنمية.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل التنمية
سلط تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بعنوان “تكنولوجيا الابتكار 2025: الذكاء الاصطناعي الشامل من أجل التنمية” الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي. وحذر التقرير من اتساع الفجوة الرقمية بين الدول إذا لم تعتمد سياسات شاملة تدعم البنية التحتية، وتحسين جودة البيانات، وتطوير المهارات البشرية.
وأشار التقرير إلى أن السوق العالمي للتقنيات المتقدمة، بما يشمل الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن ينمو بشكل كبير من 2.5 تريليون دولار في 2023 إلى 16.4 تريليون دولار بحلول 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 20%. ويحتل الذكاء الاصطناعي الحصة الأكبر من هذا السوق بحوالي 4.8 تريليون دولار، متقدماً على تقنيات إنترنت الأشياء والتقنيات الخضراء.
الذكاء الاصطناعي
كما يوضح التقرير هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى في الدول المتقدمة على تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تجاوزت قيمتها السوقية عدة تريليونات من الدولارات، مما يمنحها قدرة مالية ومعرفية ضخمة لتوجيه مسار التكنولوجيا عالمياً. وفي مجال البحث والتطوير، تستحوذ 100 شركة فقط على أكثر من 40% من إجمالي الاستثمارات العالمية، مع تمركز نصف هذه الشركات في الولايات المتحدة، و13% في الصين.
على صعيد المعرفة العلمية، شهد مجال الذكاء الاصطناعي بين عامي 2000 و2023 زيادة هائلة في المنشورات العلمية وبراءات الاختراع، حيث تفوقت الولايات المتحدة والصين في إنتاج ثلث المقالات وثلثي براءات الاختراع على مستوى العالم.
وأوضح التقرير تطور الذكاء الاصطناعي عبر ثلاث موجات تاريخية، وصولاً إلى الجيل الحالي من الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع تطبيقات رائدة مثل (ChatGPT) و(DALL-E) و(Sora)، ويتوقع أن ينمو سوق هذه التقنيات من 137 مليار دولار عام 2024 إلى 900 مليار دولار بحلول 2030.
وأشار التقرير إلى أن تطور الذكاء الاصطناعي يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: البنية التحتية، والبيانات، والمهارات، وأن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى مثل إنترنت الأشياء وسلاسل الكتل يعزز إمكانيات الابتكار، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات.
وأكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي يمثل العمود الفقري للثورة الصناعية الخامسة التي تتميز بالتكامل بين الإنسان والآلة والتركيز على الاستدامة ورفاهية الإنسان، مما يستلزم تبني سياسات شاملة تراعي الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية للتكنولوجيا.
وحذر التقرير من أن الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية ما زالت واسعة بسبب نقص البنية التحتية في الدول النامية، داعياً إلى تعزيز التعاون الدولي ووضع إطار عالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي يضمن العدالة الرقمية وتوزيع المنافع بشكل عادل.
في سياق متصل، ركز تقرير منصة بروجيكت سينديكت بعنوان “هل سيقلص الذكاء الاصطناعي فجوة التنمية أم يوسعها؟” على أن الذكاء الاصطناعي لا يضمن بشكل تلقائي تحقيق العدالة أو تقليل الفجوات التنموية، بل يتطلب توجيهاً فعالاً من الحكومات والمجتمع المدني لضمان استغلاله لخدمة الصالح العام.
وحذر التقرير من أن تركيز السوق على الأتمتة واستغلال البيانات الشخصية قد يؤدي إلى زيادة التفاوتات، خصوصاً في ظل ضعف البنية التحتية في البلدان النامية. وأوضح أن انخفاض تكلفة تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يتيح فرصة أكبر للدول النامية للاستفادة منها، شريطة اعتماد سياسات شاملة تضمن الشمول الرقمي.
وشدد التقرير على ضرورة إعادة توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تخدم القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة ومواجهة التغير المناخي، بدلاً من التركيز على مشاريع تكنولوجية ذات أهداف ضيقة، وذلك لتجنب تفاقم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن استبدال الوظائف البشرية بالتكنولوجيا.
في المجمل، تؤكد هذه التقارير على أهمية وضع استراتيجيات متكاملة وشاملة تستثمر في البنية التحتية الرقمية، وتنمي المهارات، وتعزز التعاون الدولي لضمان أن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي تخدم التنمية المستدامة وتحقق العدالة الاجتماعية على نطاق عالمي.