مع اقتراب ذكرى ثورة 23 يوليو، تعود السينما المصرية لتسلط الضوء على واحدة من أهم المحطات في التاريخ الوطني، حيث أعادت مجموعة من الأفلام إحياء تلك اللحظة الفاصلة وما سبقها من تحولات سياسية واجتماعية. لم تكن هذه الأعمال مجرد إنتاجات فنية للترفيه، بل جاءت كوثائق بصرية نابضة بالحياة، عكست وجدان المصريين وسجّلت مشاعرهم، وحملت على عاتقها مهمة التأريخ لذاكرة وطن لا تزال حية في وجدان الأجيال المتعاقبة.
السينما تُحيي ثورة يوليو
من أبرز هذه الأفلام يأتي فيلم “القاهرة 30” الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1966، حيث يستعرض الفيلم الأجواء الاجتماعية والسياسية التي مهدت لانفجار الغضب الشعبي، من خلال قصة ثلاثة شباب جامعيين يمثل كل منهم نمطًا مختلفًا من طبقات المجتمع، وسط واقع خانق تتعالى فيه التناقضات الطبقية والانتهازية. ويأتي فيلم “رد قلبي” كمثال آخر على كيف جسدت السينما معاناة المصريين قبل الثورة، إذ يتناول قصة حب بين ضابط من أصول بسيطة وابنة باشا، وتنعكس من خلالها أزمة الفوارق الطبقية التي فجّرت غضبًا مكتومًا لدى قطاعات واسعة من الشعب.
ذاكرة مصر على الشاشة الكبيرة
أما فيلم “أيام السادات”، فقدّم سردًا دقيقًا لسيرة الرئيس الراحل أنور السادات، منذ انضمامه إلى حركة الضباط الأحرار وحتى وصوله إلى قمة السلطة، في عمل ملحمي أبرز التحولات السياسية والفكرية في حياته، كما كشف خبايا فترة ما بعد الثورة من داخل دوائر الحكم. وفي سياق اجتماعي وإنساني، جاء فيلم “الباب المفتوح” ليجسد نضال المرأة المصرية في وجه القيود المجتمعية التي كبّلتها، في ظل ظروف سياسية مضطربة سبقت قيام الثورة، حيث كانت تحولات المجتمع تنعكس على الفرد وتؤثر في اختياراته المصيرية.
ولعل فيلم “في بيتنا رجل” يمثل ذروة التعبير عن روح المقاومة الفردية، حيث يتناول حكاية شاب يلجأ إلى الانتقام من النظام القمعي بعد مقتل صديقه، فيغتال وزير الداخلية، ثم يختبئ لدى أسرة مصرية، ما يسلط الضوء على التوتر بين الخوف من السلطة والانتماء الوطني.
تتجلى في هذه الأعمال قدرة السينما على أن تكون شاهدًا موضوعيًا وعاطفيًا على لحظة تاريخية، حيث نجحت في التقاط نبض الجماهير وتوثيق همومهم وآمالهم. لم تكن هذه الأفلام مجرد تجسيد درامي للواقع، بل أصبحت أدوات لحفظ الذاكرة، ومرايا عكست تطلعات أمة نحو الحرية والعدالة. لذا، تظل هذه الأعمال مرجعًا بصريًا وثقافيًا لفهم ثورة يوليو، وما أحدثته من زلزال سياسي واجتماعي غيّر ملامح مصر إلى الأبد.