ثورة 30 يونيو.. في مشهد حاسم أعاد تشكيل ملامح الدولة المصرية، مثلت تظاهرات 30 يونيو 2013 نقطة تحول بارزة في مسار السياسة المصرية، حيث أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، وفتحت الطريق أمام مرحلة جديدة تميزت باستعادة مؤسسات الدولة لهيبتها، من خلال قرارات أمنية وتشريعية صارمة، أثارت في الوقت ذاته نقاشًا واسعًا حول العلاقة بين الأمن والحريات.
قبل هذا الحدث بعام، كانت مصر ترزح تحت ضغط سياسي واقتصادي متصاعد، في ظل حالة استقطاب حادة خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي وُجّهت إليه اتهامات بالسعي إلى تمكين جماعته وإقصاء القوى السياسية الأخرى.
في خضم هذا التوتر، ظهرت حركة “تمرد”، التي استطاعت -وفق منظميها– جمع أكثر من 22 مليون توقيع لمطالبة مرسي بالرحيل والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. وبحلول 30 يونيو 2013، تدفقت الجماهير إلى الشوارع بمشاركة قدرتها مصادر عسكرية بنحو 14 مليون مواطن، بينما قدّرها مراقبون مستقلون بأقل من ذلك، لكن الأثر السياسي كان حاسمًا.
أعطى الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي حينها مهلة 48 ساعة للرئاسة للاستجابة لمطالب الشارع. ومع استمرار التعنّت، تم الإعلان في 3 يوليو عن عزل مرسي، وتكليف المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، بإدارة مرحلة انتقالية شملت تعليق الدستور وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
قرارات حاسمة لإعادة ضبط المشهد
أعقبت تلك التطورات خطوات سياسية وأمنية بارزة، شملت إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية في سبتمبر 2013، وحظر أنشطتها وملاحقة قياداتها جنائيًا، إلى جانب تدابير انتقالية هدفت إلى إعادة تنظيم الحياة السياسية في البلاد.
على الجانب الأمني، أطلقت الدولة حملة موسعة في شبه جزيرة سيناء بالتعاون بين القوات المسلحة وأجهزة الدولة السيادية والمجتمع المحلي، لاستهداف الجماعات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم “أنصار بيت المقدس” الذي بايع لاحقًا تنظيم داعش تحت اسم “ولاية سيناء”.
التصدي للإرهاب… واستعادة السيطرة
رغم تعرض البلاد لسلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت عناصر الجيش والشرطة، ساهمت العمليات الأمنية المكثفة في تقليص خطر التنظيمات المسلحة بشكل كبير. ووفقًا لمؤشر السلام العالمي لعام 2023، لم تعد مصر ضمن قائمة أكثر عشر دول تضررًا من الإرهاب، وهو ما عُدّ مؤشرًا على نجاح استراتيجية الأمن الداخلي.
جدل داخلي ومواقف خارجية
وعلى الرغم من التأييد الشعبي الواسع لقرار عزل مرسي، خاصة من قوى اعتبرت الخطوة إنقاذًا للدولة من السقوط، قوبلت الإجراءات آنذاك بانتقادات دولية، من بينها تصريحات أمريكية أعربت عن القلق من تراجع الحريات، واعتبرت ما حدث “انقلابًا على المسار الديمقراطي”.
الأمن مقابل الحريات
بدأت الدولة في تلك المرحلة تطبيق قانون التظاهر الجديد، والذي اعتبرته منظمات حقوقية أداة لقمع الحريات وتقييد العمل السياسي. ورغم إحراز تقدم في استعادة الاستقرار، بقي الجدل قائمًا حول كلفة هذا الاستقرار على مساحة الحريات العامة.
دروس المرحلة الانتقالية
أظهرت فترة ما بعد 30 يونيو هشاشة البنية الديمقراطية في سياق سياسي حاد الاستقطاب، كما كشفت عن صعوبة الانتقال السياسي دون وجود توافق وطني شامل. في المقابل، استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي ترسيخ موقعه من خلال تحالف متماسك بين القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية، ومؤسسات الدولة، رافعًا شعار الاستقرار كأولوية قصوى.